فصل: تفسير الآية رقم (34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (22):

{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)}
{آيَاتِهِ} {السماوات} {اختلاف} {أَلْوَانِكُمْ} {لآيَاتٍ} {لِّلْعَالَمِينَ} (22)- ومِنْ آياتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ العَظِيمَةِ، أَنَّهُ تَعَالى خَلقَ السَّماوَاتِ في ارْتِفَاعِهَا واتِّسَاعِها، وَخَلَقَ فِيها النُّجُومَ والكَواكِبَ، وَخَلقَ الأَرضَ وَمَا فِيها مِنْ بِحَارٍ وَمياهٍ ومخلُوقَاتٍ وَنَبَاتَاتٍ وجِبَالٍ، وجَعَلَ أَلسِنَةَ البَشَرِ مُخْتَلِفَةً مُتَمَايِزَةً، كَما جَعَلَ ألوانَ البَشَرِ مُخْتِلفةً، وإِن تَشَابِهُوا جَمِيعاً في الخُطُوطِ الكُبرى مِنْ مَلامِحِهِم، وَفي ذَلك آياتٌ تَدُلُّ عَلى عَظَمَةِ الخَالِقِ لأُولِي العِلْمِ الذِينَ يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا خَلَقَ اللهُ.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)}
{آيَاتِهِ} {بالليل} {لآيَاتٍ}
(23)- ومِنْ عَلامَاتِ قُدْرَتِهِ عَلَى الخَلقِ أَنَّكُم تَنَامُون في اللَيْلِ، وتَهْدَؤُونَ، لِتَرتَاحَ أَبدانُكُم مِنْ عَنَاءِ العَمَلِ في النَّهارِ، وأَنَّكُم تَنْبَعِثُونَ في النَّهارِ لِلعَمَلِ وطَلَبِ الرِّزْقِ، وفي ذلِكَ عِبَرٌ وأَدِلَّةٌ لِمَنْ يَسْمَعُونَ المَوْعِظَةَ وَيَتَّعِظُونَ بِها.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)}
{آيَاتِهِ} {فَيُحْيِي} {لآيَاتٍ}
(24)- وَمِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، أَنَّهُ يُريكُمُ البَرْقَ فَتَخَافُونَ مِنْ صَوَاعِقِهِ، وَتَرْجُونَ أَن يَأْتِيَكُمْ بَعدَهُ المَطَرُ، ليُحْييَ الأَرْضَ، فَتَغْزُرَ المِيَاهُ، وَتَنْبُتَ الأَرضُ بالكَلأ والنَّبَاتِ، وفي ذلِكَ دَلالاتٌ، وَعِبَرٌ وَاضِحَةٌ لِمَنْ يَتَبَصَّرونَ وَيَعْقِلُونَ، عَلى قُدْرَةِ اللهُ تَعالى عَلَى بَعْثِ الخَلائِقِ في الآخِرَة، وَنَشْرِهِمْ لِلْحِسَابِ والجَزَاءِ.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)}
{آيَاتِهِ}
(25)- ومِنَ الحُجَجِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى مَا يَشَاءُ، قِيَامُ السَّمَاءِ والأَرض بِلا عَمَدٍ تَحْمِلُها، وَلا أَرْبِطَةٍ تَشُدُّها، وإِنَّما تَقُومَانِ بأمرِهِ وَتدبِيرِهِ، بِمَوْجِبِ نِظَامٍ قَدَّرَهُ وَأَقَامَهُ فِي الوُجُودِ، وَلا يَزَالُ الأمرُ كَذَلِكَ حتَّى يَنْتَهيَ أجلُ العالمِ في المَوعِدِ الذي حَدَّدَهُ اللهُ لانتِهَائِهِ، فَتُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ، وتُدَكُّ الجِبَالُ، وَحِنَئِدٍ يَأْمُرُ اللهُ فَيُنْفَخُ في الصُّورِ، فَيَخْرُجُ البَشَرُ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً إِلى رَبِّهِمْ مُسْتَجِيبِينَ لِدَعْوَتِهِ تَعَالى.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)}
{السماوات} {قَانِتُونَ}
(26)- وَجَميعُ مَنْ خَلَقَهُمُ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ يَخْشَعُونَ لِرَبِّهِمْ، وَيَخْضَعُونَ لَهُ، طَوْعاً أَوْ كَرْهاً.
قَانِتُونَ- مُطِيعُونَ مُنْقَادُونَ لإِرَادَتِهِ.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)}
{يَبْدَأُ} {السماوات}
(27)- وَهُوَ تَعَالى الذي بَدَأَ خَلْقَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ عَلَى غَيرِ مِثَالٍ، سَبَقَ، ثُم يقضِي بِفَنَائِها وَزَوالِها، ثُمّ يُعيدُ خَلْقَها، وَكُلُّ ذَلِكَ هَيِّنٌ عَليه. ثُمَّ لَفَتَ اللهُ تَعَالى نَظَرَ البَشَرِ إِلى أَنَّ إِعَادَةَ الخَلْقِ والصُّنْعِ أهوَنُ عَلَيهِ منْ ابتِدَائِهِ، فإِذَا كَانَ اللهُ هُوَ الذي بَدَأ الخَلْقِ بعدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شَيئاً، فَمِنَ المَفْرُوضِ في البَشَرِ أَنْ يُدْرِكُوا أَنَّ إِعَادَةَ خَلْقِ الكَائِنَاتِ أهوَنُ مِنْ خَلْقِهَا ابْتَداءً، وَأَنَّ ذَلكَ لَنْ يُعْجِزَ اللهَ تَعَالى، فَبَعْثُ البَشَرِ يومَ القيامةِ أَسْهَلُ عَلى اللهِ مِنْ خَلْقِهِمْ، وللهِ الوَصْفُ البَدِيعُ في السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَهُوَ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ ليسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وهُوَ العَزيزُ الذي لا يُغَالَبُ ولا يُضَامُ، وهُوَ الحَكِيمُ في خَلْقِهِ وَتدبِيرِهِ، فَلا يَخْلُقُ شَيئاً عَبَثاً لا فَائِدةَ مِنْهُ.
لهُ المَثَلُ الأعلَى- لَهُ الوَصْفُ الأَعلَى في الجَلالِ والكَمَالِ.

.تفسير الآية رقم (28):

{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)}
{مِمَّا} {أَيْمَانُكُمْ} {رَزَقْنَاكُمْ} {الآيات} (28)- وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُشْرِكين الذينَ يَجْعَلُونَ للهِ شُرَكَاءَ، فَيَعْبُدُونَ مَعَ اللهِ آلهةً غَيْرَهُ، وَهُمْ مَعَ ذَلك مُعْتَرِفُونَ أَنْ شُرَكَاءَهُمْ مِنَ الأَصْنَامِ عِبيدٌ للهِ، وَمُلْكٌ لَهُ، كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ في طَوَافِهِمْ حَوْلَ الكَعْبَةِ: (لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ إِلا شَرِيكاً هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ)، فَقَالَ تَعَالى لَهَمْ: إِنَّ اللهَ يَضْرِبُ لَكُم مَثَلاً مُنْتَزَعاً مِنْ أَحوالِ أَنْفُسِكُمْ وَأَوْطَارِها، وَهِيَ أقربُ الأَشياءِ إِليكُم، وَبِهِ يَسْتبِينُ مِقْدَارُ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلالَةِ بِعِبَادَتِكُمُ الأَصْنَامَ والأَوثَانَ. وَهذا المَثَلُ هُوَ: هَلْ يَرْضَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ شَرِيكاً لَهُ فِي مَالِهِ فَيَكُونَ مَعَهُ عَلى السَّواءِ في التَّصَرّفِ فِي المَالِ، فيَحْسبُ حِسَابَهُ مَعَهُ، فَلا يَتَصَرَّفُ في شَيءٍ مِمَّا يَملِكُ مِنْ دُونِ إِذْنِهِ، كَمَا يَحْسبَ حِسَابَ الشَّريكِ الحُرِّ المُمَاثِلِ، ويَخْشَى أَنْ يَجُورَ عليهِ شَرِيكُهُ، كَمَا يَتَحَرَّجُ هُوَ مِنَ الجَوْرِ عَلَى شَرِيكِهِ لأنَّهُ كُفْءٌ لَهُ وَنِدٌّ (تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُم)، فَهلُ يَقَعُ شَيءٌ مِنْ ذَلكَ فِي مُحِيطِكُمُ القَرِيبِ وشَأْنِكُمُ الخَاصِّ؟ فَإِذا كَانَ شَيءٌ مِنْ ذَلكَ لا يَقَعُ، فَكَيفَ تَرْضَونَهُ في حَقِّ اللهِ تَعَالى ولَهُ المَثَلُ الأَعلَى؟
ثُمَّ قَالَ تَعَالى إٍنَّهُ يُفَصِّلُ الآياتِ مثلَ هذا التَّفْصِيلِ البَديعِ بِضَربِ الأَمثَالِ الكَاشِفَةِ للمَعَاني، ليُقَرِّبَها مِنْ أفهَامِ مَنْ يَسْتَعْمِلُون عُقُولَهُمْ في تَدَبٌّرِ الأَمثالِ، واستِخراجِ المَعَاني لِلوُصُولِ إِلى الأَغْراضِ التي تَرْمي إِليها.

.تفسير الآية رقم (29):

{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)}
{نَّاصِرِينَ}
(29)- وَلكِنَّ الذِينَ ظَلمُوا أَنْفُسَهَمْ بكُفْرِهِمْ باللهِ، قَدِ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ جَهْلاً مِنهُمْ بحَقِّ اللهِ عَلَيهِمْ، وَعَظَمَتهِ، فَأَشْرَكُوا الأَصْنَامَ والأَوْثَانَ مَعَهُ في العِبَادَةِ، وَلا حُجَّةَ وَلا دَليلَ لَهُم في عَبَادَتِها، فَمَنْ ذَا الذِي يَستَطِيعُ أَنْ يَهْدِيَ بَشَراً قَدْ خَلَقَ اللهُ فيهِ الاسْتِعْدَادَ لِلضَّلالَةِ؟ وَهؤلاءِ الظَّالِمُونَ لأنفُسِهِمْ ليسَ لَهُمْ مَنْ يَنْصُرهُمْ مِنْ قَضَاءِ اللهِ وقدَرِهِ، وَلا مَنْ يُجِيرُهُمْ مِنْ بَأْسِهِ وَعِقَابِهِ.

.تفسير الآية رقم (30):

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)}
{فِطْرَتَ}
(30)- فَوَجِّهْ وَجْهَكَ إِلى الدِّينِ شَرَعَهُ اللهُ لَكَ، وَهُوَ الحَنِيفيّةُ مِلَّةُ إبراهيمَ التي هَدَاكَ اللهُ إليها، وَفَطَرَكَ عَليها، كَمَا فَطَر الخَلْقَ عَلَيهَا، وبهذهِ الفِطروِ السَّلِيمةِ يَهْتَدِي البَشَرُ إِلى مَعرِفَةِ رَبِّهِمْ وخَالِقِهِمْ تَعَالى وَتَقَدَّسَ، وأنَّهُ وَاحدٌ لا شَريكَ لهُ.
وَقَدْ سَاوَى اللهُ تَعَالى بينَ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ في الفِطْرَةِ، لا تَفَاوُتَ بينَ النَّاسِ في ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ في مَعْنَى (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ): إِن ذَلكَ يَعنِي لا تَبدِيلَ لِدِينِ اللهِ.
وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَينِ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَواهُ هُمَا اللذانِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنْصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ البَهِمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ. هَلْ تُحِسّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». البُخَارِي وَمُسْلِمٌ. ثُمَّ قَالَ تَعالى: إِنَّ التّمَسُّكَ بالشَّرِيعَةِ، وبِالفِطْرَةِ السَّلِمَةِ، هُوَ الدِّينُ القَيِّمُ المُستَقِيمُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ فَهُمْ عَنْهُ نَاكِبُونَ فَلإْقِمْ وَجْهَكَ- قَوِّمْهُ وَعَدِّلْهُ.
لِلدِّينِ- دِينِ التَّوحِيدِ.
حَنِيفاً- مَائِلاً إِليهِ مُسْتَقيماً عَلَيهِ.
فِطْرَةَ اللهِ- الزَمُوها وَهِيَ دِينُ الإِسْلامِ.
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيها- جَبَلَهُمْ وَطَبَعَهُمْ عَليها.
لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ- لدِينِهِ الذِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهِ.
الدِّينُ القَيِّمُ- المُسْتَقِيمُ الذِي لا عِوَجَ فِيهِ.

.تفسير الآية رقم (31):

{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)}
{الصلاة}
(31)- فَأَقِمْ وَجْهَكَ أَيُّها الرَّسُولُ أَنْتَ وَمَنِ اتَّبَعَكَ لِلدِّينِ الصَّحِيحِ، حُنَفَاءَ مُنِيِبينَ إلى اللهِ تَعَالَى، وَخَافُوهُ، وحَاذِرُوا أَن تُفَرِّطُوا فِي طَاعَتهِ، وتَرْتَكِبُوا مَعْصِيَتَهُ، ودَاوِمُوا عَلى إِقَامَةِ الصَّلاةِ في أَوقَاتِها، وأَتِمُّوهَا بِخُشُوعِها وسُجُودِهَا وَرُكُوعِهَا وَبِحُضُورِ القَلْبِ، فَهِي عَمُودُ الدِّينِ، وهِيَ تُذكِّرُ المُؤمِنَ بِرَبِّهِ في كُلِّ حِينٍ، وتَحُولُ بينَهُ وبَينَ الفَحْشَاءِ وَالمْنَكَرِ، وأَخْلِصُوا العِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ، وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ.
مُنِيبِينَ- رَاجِعِينَ إِليه بالتَّوبَةِ والإِخْلاصِ.

.تفسير الآية رقم (32):

{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}
(32)- وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ الذِينَ بَدَّلوا دِينَهُمْ، وَغَيَّروا فيهِ، وآمَنُوا بِبَعضٍ، وكَفَرُوا بِبِعْضٍ، فَأَصْبَحُوا فِرَقاً وشِيَعاً، وَظَنَّ كُلُّ فَريقٍ مِنْهُمْ أنهُ عَلى شيءٍ منَ الدِّين الصَّحِيحِ، والهُدَى، فَفَرِحَ بِذَلِكَ كَانُوا شِيعَاً- فِرَقاً.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)}
مُخْتَلِفَةَ الأَهْواءِ والمَشَارِبِ.
(33)- وإِذا مَسَّ هؤلاءِ المُشْرِكِينَ ضُرٌّ كَقَحْطٍ وَبَلاءٍ وَمَرضٍ وَشِدَّةٍ.. دَعَوا اللهَ مُخِلِصِينَ لَهُ الدِّينَ والعِبَادَةَ وأَفْرَدُوهُ بالتَّضرُّعِ والاسْتِغَاثَةِ، وَرَجَوْهُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُم مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ شِدَّةٍ، وَلكِنَّهُمْ حِينَما يَكْشِفُ الله عَنْهُمْ ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ وَبَلاءٍ يَعودُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ إِلى مَا كَانُوا عَليهِ مِنَ الشِّرْكِ بِاللهِ.

.تفسير الآية رقم (34):

{لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)}
{آتَيْنَاهُمْ}
(34)- فَلْيَكْفُرُوا بِنِعَمِ اللهِ وبِمَا آتَاهُمْ مِن فَضْلِهِ، ولْيَجْحَدُوا بِمَا تَفَضَّلَ بهِ عَلَيهِمْ مِنْ كَشْفِ الضُّرِّ والبَلاءِ، ولْيَتَمتَّعُوا بمَا آتاهُمْ مِنَ الرَّخَاءِ والنِّعَمِ، فَإِنُّهُمْ سَيَعْلَمُونَ كَيفَ يأخُذُ اللهُ المشركينَ المُفْسِدِينَ، وكيفَ يَعَاقِبُهُمْ علَى كُفْرِهِمْ وإِفْسَادِهِمْ في الأرْضِ.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)}
(36)- لَقَدْ رُكِّبَ فِي طَبْعِ الإِنسَانِ الفَرْحُ والبَطَرُ، وسُرعَةُ القُنُوط واليَأْسِ، فإِذا كَانَ الإِنسانُ في نِعمةٍ وَرَخاءٍ وأَمن فَرِحَ وَبَطِرَ، وَتَجَاوَزَ الحُدُودَ، وإِذا نَزَلتْ بهِ الشَّدائِدُ والمَصَائِبُ وأَلحَّتْ عليهِ الجَائِحَاتُ، بِسَببِ فَسَادِ رأْيهِ، وَسُوءِ أَعمَالِهِ، قَنِطَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَيئِسَ مِنَ الخَلاصِ مِمّا هُوَ فيهِ.
فَرِحُوا بِهَا- بَطرُوا وأَشِرُوا.
يَقْنَطُونَ- يَيْئَسُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ.

.تفسير الآية رقم (37):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)}
{لآيَاتٍ}
(37)- أَوَ لا يَعْلَمُ هؤلاءِ أَنَّ المُتَصَرِّفَ فِي الحَالَينِ: حَالِ الرَّخَاءِ وَحَالِ الشِّجَّةِ، هُوَ اللهُ تَعَالى، وَهُوَ يَفْعَلُ ذَلكَ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَمَا لَهُمْ لَمْ يَشْكُرُوا رَبَّهُمْ في الرَّخَاءِ والنِّعْمَةِ، وَلَمْ يَحْتَسِبُوا وَيَصْبُروا في الضَّرَّاءِ والشِّدَّةِ؟ كَمَا يَفْعَلُ المُؤْمِنُونَ المُخْلِصُونَ؟
إِنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا أَنَّ حَالَيِ الرَّخَاءِ والشِّدَّةِ مِنَ اللهِ لَمَا ضَجُّوا وَقَنِطُوا، وَلَمَا فَرِحُوا وَبَطِرُوا، وَلَشَكَرُوا الله في الحَالينِ، فَاللهُ تَعَالى يُؤدِّبُ عِبَادَهُ، بالرَّحمة والنَّعْمَةِ، كَمَا يُربِّيهِمْ بالشِّدَّةِ والبَلاءِ.
يَقْدِرُ- يُضَيِّقُهُ عَلى مَنْ يَشَاءُ لِحِكْمةٍ.